Nothing Impresses me – لا شيء يعجبني By Mahmoud G, Palestine

إن من يعرفني جيدا سيستغرب كثيرا مما ستقرأه في الأسطر التالية وأنا أكتبه بعد احتفالي بنهاية مرحلة العشرينات من عمري. لكن أتمنى أن تعطي فقرة الخاتمة بريق أمل ورجاء وتشجيعا أكثر على العمل لواقع ومستقبل أفضل.

في الوقت الذي أصبح الكثير من الناس الواقعيين يفكرون بنهاية العالم. والحالمون يظنون انهم لن يصلوا لزمن تكون فيه نهايتنا على يد الروبوتات الآلية. وبدأ الجميع يزرع الخضروات في حديقة منزله ليس فقط الروحانيون الذين يتوقعون النظام العالمي الجديد الذي سيوفر للناس طعامهم من خلال شريحة في اليد اليمنى أو في الجبين. فعند قدوم هذا النظام سيكون الكثير منا قد مات فعلا!

ففي نفس الوقت الذي تحاصرني فيه التكنولوجيا والأنترنت وتلك الطاقة المغناطيسية التي تجذب هاتفي إلي ويكاد كل ما في حاسوبي المحمول يصرخ ويناديني. والنواقل الحسية في جهازي العصبي تبرمجت على الإشارات البصرية في هذا الكم الهائل من المحتوى البصري الذي نراه حولنا. وتعود كلاليب وفخاخ الإدمان تطاردني كلما حاولت أن أفلت من إدمان هذه الرغبة في تفقد بريدي الإلكتروني وحساباتي في العالم الإفتراضي(الإجتماعي). أحاول أن أنعش ذاك الجزء الحيوي من جسدي كي لا يتخدر بكل ذلك المحتوي المدعم بالصور الجنسية في الإعلانات التجارية. بلايين من الناس إن لم تكن تفكر في المستقبل سواء كانت تكهناتهم صائبة أم مخطئة, متطرفة أو متحفظة. يسارية أم يمينية. فهناك بلايين أخرى من الناس يصنعون محتوى على التيك توك قلما كان مفيدا. وآخرون يتابعون هذا المحتوى بصمت.

كنت أتحسب في موجة الحجر الصحي أن العالم سيصبح مكانا أقل حميمية وأكثر بردا لانعدام التلامس بين الناس والأحضان والقبلات. إلا أنني أشعر أن البرد لم يصب فقط القلوب بل العقول أيضا. كذلك الشعور الذي شعرت به وأنت طفل صغير عندما شرب العصير المثلج بسرعة كبيرة فشعرت بألم في رأسك.

هربت من هذا الواقع لأرى نفسي لبرهة من الزمن منفصلا عن الواقع.

بدأت الزراعة والتمارين الرياضية, كنت أتعمد أحيانا أن أخلع القفازات وأجعل يداي تلامسان التراب لعل ذلك الشعور يعيد الحياة إلى أطرافي التي اعتادت أن تلامس لوحة المفاتيح.

على مدى 4 أشهر حاولت أن أصنع علاقات اجتماعية في الحي. لكن ذلك كان محدودا جدا. وخمسة من زملائي القدامي الذين صادفوني في الجوار, تبادلنا سويا عبارات المجاملة والترحاب وتبادلنا الأرقام لكننا أعلنا انتصار تلك الطاقة التي تحجرنا من الداخل واللقاء لم يحدث, وفنجان القهوة ذلك لم يحتسيه أحد من الآخر.

حاولت أن أستخدم تيار الإعلام الإجتماعي الذي أحاول الهروب منه. لعل هذا التيار ينقلني في النهاية على ضفة ما كي لا أبقى في عرض البحر. بدأت الكتابة في مدونة على جريدة محسوبة على اليمين في اسرائيل كشاب فلسطيني. حاولت أن أبني الجسور لكنني هدمت كثيرا منها مع كثير من أصدقائي لأنهم لم يرو مشاعر هذا الشخص مهما حاول أن يظهرها في الكتابة. لكن أتمنى أن يكون معرفتهم لقلبه قبل الكتابة يجعلهم يتجاوزون عن الأمور التي لم أصب التعبير فيها, أو لم يصل صوتي سواء لخلل في الإرسال أو الإستقبال.

توقفت عن الكتابة لفترة لم أجد فيها خبرا أستطيع الكتابة عنه, أو وتارة كنت اجد الكثير من الأخبار لكنني لم أجد الرغبة, وتراة أخرى وجدت الأخبار والرغبة العارمة في الكتابة لكنني لم أعرف بأي خبر أبدأ فجميعها تشعرني في وخز في جسدي, كل خبر يؤلمني بجزء مختلف.  لطالما أردت الكتابة عن أمور مبهجة لكنني كلما أردت التنوع في الكتابة لأكتب عن أمور اجتماعية, فنية, دينية, سياسية, فهي تقودني للحديث عن السياسية بشكل ما, هناك من فسرها على أنني أميل إلى طرف ما من السياسة أو آخذ موقفا, إلا أني موقفي من السياسة دائما هو رفضها بشكل تام لا دعمها. وبالطبع لا أدعم طرف على حساب آخر.

في غمار هذا الصمت وكأن كلمات قصيدة محمود درويش” لا شيء يعجبني” تستنطق صمتي وتريد لأصابعي أن تكتبها مرة أخرى.

وكذلك لا أحد يعجبه أحد. ولا أحد يعجبه أي شيء. ولكننا في كل مرة ننسى تغيير أقرب شيء لنا وهو انفسنا ونحاول بأفكارنا التي لا تعجبنا أيضا تغيير وانتقاد أي شيء آخر. فنصبح أبعد ما نكون عن أنفسنا ونسمح بهذا أن يأتي أشخاص آخرون يعبرون من الضفة الأخرى للنهر ليقولوا لنا أننا نحن من يجب عليه أن يتغير لا هم. ونبقى جميعا محصلة ما ينتجه نهر جاف من حجارة.

فترى المتدينون الذين عانوا من الاضطهاد يضطهدون الآخرين. ومن يدعون أن إلههم رحيم يمنعون الرحمة عن الملحدين ومثليي الجنس وكل من يخالف فكرهم. وهو ما سأفرد له مقالا خاصا لم يشأ أن ينتهي من اللحظة التي انتحرت فيها سارة حجازي. إلى اللحظة التي نرى نواب البرلمان المنتخبين من الشعب يتركون الفقر والفساد والبطالة, وتفشي الأمراض, وسوء التعليم, وعدم توفر الماء والكهرباء والصحة, وطرق الزراعة, والعلاج . يرفعون القضايا على راقصة أو مغنية وينصب جل اهتمامهم, وتتصبح أسمى قضاياهم فسطان ممثلة أو مقاطع فيديو. يربطون هذا بقيم أسمى منهم وهي الشرف والأخلاق. ونرى العامة يصفقون لهم, ويشتمون الراقصة. موقعين على شهادة وفاة الشرف الحقيقي. ومصفقين لجلادهم مرة أخرى.

أما في بدي هنا. فأرى فلسطينيون لا يتظاهرون لموت فلسطيني بدم بارد. بينما تخرج المظاهرات في تل أبيب. يليها تظاهرة ضد سياسة الضم الإسرائيلة. لا يسمن فيها من جوع إلا السياسي الذي يعيش في ترف, ولا يغنى فيها من فقر سوا السياسي ومحترك التجارة الذي

يعيش في رغد.

كما أنني لم أستيقظ في يوم ميلادي في العام الجديد أشعر بأني مختلف عن اليوم الذي سبقه, كذلك هو العالم غير مختلف في شرقه عن غربه لا في العنصرية ولا في الغضب أو العنف أو الكراهية. أو في المحبة والعطاء والتكاتف إذا شئت.

بل تختلف الشعوب بقدر اختلاف الاشخاص بمقدار ما يطيعونه من وصايا الله الكاملة سواء كان يؤمن بمصدرها أم لا. وتنحط الشعوب كما ينحدر الأشخاص بنفس الطريقة بابتعادهم عن تلك القيم الكاملة. التي لا يمكن أن يكون مصدرها الإنسان غير الكامل الذي سيحدد طرق غير كاملة لتطبيقها, تنتهك حقوق غيره. وهنا لا أقصد بكلامي الدين. بل هنا أتحدث عن شيء آخر تماما وهو المحبة غير المجتزأة وغير المشروطة والمضحية. جرب أن تطبق هذا على أي موقف ولنرى أين ستأخذك المحبة. بعيدا عن كل تلك الشروحات والتفسيرات.

منذ فترة نشرت منشورا حول وفاة الفنان أيمن صفية غرقا,من وقتها أردت الحديث عن أمور مبهجة, ولكن من المؤسف أن يكون خبر وفاة الإسرائيلي ميخائيل بن زيكري غرقا وهو يحاول عائلة عربية نت الغرق هو مادة جيدة للحديث عن التعايش والمحبة والتضحية. ميخائيل بن زيكري لم يحسب نفسه ثمينة لأن يبذلها من أجل أن ينقذ عائلة ثمينة أخرى. لكن الأسوأ من هذا أن يتم استغلال هذا الخبر من السياسيين.

كل روح ثمينة, ويجب أن نحبها دون شرط. لكن الحكومات ليست أرواح حتى نحبها أن نكرهها.

في خاتمة كلامي المتخبط أريد أن أتمنى لنفسي ولكم الكثير من التركيز على النفس في جلد الذات. والتركيز على الآخرين في المحبة والعطاء. وأن نضع أنفسنا مكان الآخرين لا أن نطلب من الآخرين أن يصبحوا مثلنا. أن نركز أكثر على المبادىء لا على الأحداث التي ليس لها بداية. نعطي مجالا أكثر لتقدير المشاعر والتجارب لا للأفكار العقلية فليس هناك أبيض أو أسود. والمشاعر لا يمكن الحكم عليها بصواب أو خطأ والتجارب ليس لا تقبل القسمة على نعم أو لا.

ربما وقت الراحة في هذا السبات الذي تعيشه الأرض هو بداية انتعاشة جديدة وليس استراحة تعب من مسيرة طويلة فقط.


Leave a Comment

Want to join the discussion? Feel free to contribute!

Leave a Reply